فصل: فصل في الوصية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الوصية:

وهي كما لابن عرفة عقد يوجب حقاً في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده فقوله: يوجب حقاً إلخ. أخرج به ما يوجب حقاً في رأس ماله مما عقده على نفسه من دين ونحوه ولو بإقرار في صحته أو مرضه لمن لا يتهم عليه أو هبة ونحوها في صحته لا في مرضه، فإنها في ثلثه. وقوله: يلزم بموته أخرج به المرأة إذا وهبت أو التزمت ثلث مالها ولها زوج، أو من التزم ثلث ماله لشخص فإنه يلزم بعقده لا بموته، وكذا يخرج به التدبير أيضاً لأنه يلزم بعقده، وقوله: أو نيابة عنه بعده عطف على حقاً، والتقدير أو يوجب نيابة عن عاقده بعد موته فيدخل الإيصاء بالنظر الذي تضمنه الكلام على الأوصياء في الباب قبله.
(وما يجري مجراها): من عدم محاسبة الأولاد بما أنفقة الأب عليهم إذا أوصى بذلك أو كان مالهم عيناً،. وهي أي الوصية بالمال مندوبة من خصائص هذه الأمة تكثيراً للزاد وأهبة للمعاد، وفي صحيح مسلم: (ما من حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إل ووصيته مكتوبة عند رأسه). اهـ. أي: ليس من حقه أن يبيت ليلتين دون أن يكتب وصيته وقد تجب كدين لا يتوصل له إلا بها وتحرم بمحرم كنياحه وتكره بمكروه كوصية بإطعام كافر من أضحيته المذبوحة في حياته، أو يوصي بجز صوفها قبل الذبح ثم تذبح وتباح بمباح كبيع كذا وتنفيذ الواجب والمندوب واجب وغيرهما حكمه حكم أصله.
في ثُلُثِ المالِ فأَدْنَى في المرَضْ ** أَوْ صِحَّةٍ وَصِيَّةٌ لا تُعْتَرَضْ

(في ثلث المال فأدنى) كالربع والخمس، وقد استحب بعض العلماء أن لا تبلغ الثلث لقوله (صلى الله عليه وسلم): (والثلث كثير). (في المرض) الذي مات منه (أو صحة وصية) مبتدأ (لا تعترض) خبره وفي ثلث إلخ. يتعلق به، والتقدير: والوصية لا تعترض في ثلث المال فأدنى سواء كانت في المرض أو في الصحة بل هي صحيحة.
حتى مِن السَّفِيهِ والصَّغِيرِ ** إنْ عَقَلَ القُرْبَةَ في الأُمُورِ

(حتى من السفيه والصغير) بشرط وهو (إن عقل القربة في الأمور) فإن لم يعقل القربة فلا تصح وصيته، وأما إصابته وجه الوصية بأن لا يكون فيها تناقض ولا تخليط فإنه شرط في صحة كل وصية كانت من صغير أو غيره كما يشترط أن يكون الموصى له غير وارث وإلاَّ بطلب كما يأتي في قوله: وامتنعت لوارث إلخ. وظاهره أن الوصية بالثلث فدون نافذة، ولو قصد الموصي بها الضرر بالورثة وهو كذلك على الصحيح، وبه الحكم كما في ابن ناجي على المدونة.
وَالْعَبْدُ لا تَصِحُّ مِنْهُ مُطْلقا ** وَهْي مِنَ الكُفَّارِ لَيْسَتْ تُتَّقى

(والعبد لا تصح) الوصية (منه مطلقا) كان خالص الرق أو ذا شائبة، وكذا لا تصح من المجنون إلا أن يوصي حال إفاقته التي يعقل فيها ما يوصي به فإن شهدوا بأنه أوصى حالة إفاقته وشهد آخرون أنه كان ذاهب العقل فشهادة الإفاقة أولى.
(وهي من الكافر ليست تتقى) بل تمضي وإن لمسلم إلا بكخمر (خ) صح إيصاء حر مميز وإن سفيهاً وصغيراً وكافراً إلا بكخمر لمسلم. ولها أركان: أولها: الموصي وقد تقدم، وثانيها: الموصى له وإليه أشار بقوله:
وَهْيَ لِمَنْ تَمَلُّكٌ مِنْهُ يَصِحْ ** حتى لِحَمْلِ وَاضِحٍ أَوْ لم يَضِحْ

(وهي) تصح (لمن تملك منه يصح) حقيقة كآدمي أو حكماً كقنطرة ومسجد بل تصح أيض (حتى لحمل واضح) أي ظاهر (أو لم يضح) أي لم يظهر كقوله: أوصيت لمن سيوجد من ولد فلان أو فلانة أو لمن يولدهما (خ) صح إيصاء لمن يصح تملكه كمن سيكون إن استهل.
لكنَّهَا تَبْطُل إنْ لم يَسْتَهلْ ** وَللعبيدِ دونَ إذْنٍ تَسْتَقِلْ

(لكنها تبطل إن لم يستهل) صارخاً ولا تحققت حياته بكثرة رضاع ونحوها لأن الميت لا يملك (وللعبيد) ولو (دون إذن) من السيد في قبولها (تستقل) وتصح وتكون للعبد حتى ينتزعها منه السيد (خ) ولم يحتج رق لإذن في قبول كإيصائه بعتقه إلخ. أي بل يقبلها وإن بغير إذن سيده وتنفذ وصيته بالعتق وإن لم يقبل، وإذا بطلت حيث لم يستهل فترجع ميراثاً ثم إذا أوصى لمن سيوجد من ولد فلان فإنه يختص بها ما يتكون من حمل زوجته أو أمته ولا يدخل الحمل الموجود إلا أن يعلم أنه قصد دخوله بقرينة خارجة عن اللفظ فإن قال: أوصيت لمن يولد له فالظاهر شمول اللفظ للحمل الموجود بوقت الإيصاء، وأما لو قال: أوصيت لولده والحال أنه لا ولد له حين الوصية ولا حمل فلا يخلو فإما أن يعلم الموصى بذلك أم لا. فإن لم يعلم فالوصية باطلة كما في الزرقاني، وإن تنازعا في العلم وعدمه فالقول للورثة كما في (ح) وإن علم فهي صحيحة وتكون لكل من يولد له، وإذا صحت في هذه الصور وولد له ولد واستهل فيكون جميع الوصية بيده على معنى الانتفاع على الراجح وكل من ولد بعد ذلك يدخل فيها والذكر والأنثى في ذلك سواء إلا أن ينص على التفضيل، ومن مات منهم لم يمكن ورثته من الدخول في حقه حتى ينقرضوا جيمعاً ثم يكون لورثتهم أجمعين، وإذا أخذ المال من وجد من الأولاد فإنه يشتري به أصل لتبقى عينه وينتفع بغلته، وقيل يتجر له بذلك المال ثم كذلك كلما ولد ولد يتجر له مع الأول، ومن بلغ التجر تجر لنفسه فإن خسر فيه أو ضاع منه شيء في حين التجر للصغير لم يضمن لأن الصغير لا تعمر ذمته بذلك وقد رضي الموصى بالوصية له على ما توجبه الأحكام في الضمان وإن بلغ وتجر لنفسه فإن خسر فيه أو ضاع منه شيء ضمن الخسارة والتلف قاله الرجراجي واختلف إذا قال: أوصيت لولد فلان والحال أن له ولداً موجوداً وحملاً ثابتاً هل يختص بها الموجود من الحمل والولد أو تعم الموجود ومن لم يوجد وهو الراجح كما في تكميل المنهج قال:
....................... ** والخلف في ولده ولم يزد

هل يدخل الوجود قط أو يشتمل ** جميعهم وذا ارتضى إذ ينتقل

خلافاً لما في الزرقاني، وعليه فيجري على حكم الأقسام قبله في التجر وغيره، وأما إن قال: أوصيت لأولاد فلان وهم عشرة مثلاً ولا ترجى لفلان ولادة بعد، فإن من مات منهم قبل القسم فورثته يقومون مقامه سواء سماهم أو عينهم بإشارة كهؤلاء النفر أو لم يسمهم ولم يعينهم بإشارة ولا غيرها اتفاقاً في الأول وعلى المشهور في الثاني، وكذا إذا كان له أولاد وترجى له ولادة فإنه إذا سماهم أو عينهم بإشارة فإن الوصية مقصورة عليهم، ومن مات منهم فوارثه قائم مقامه ولم يدخل معهم من يوجد بعد وإن لم يسمهم ولا عينهم بإشارة فتقدم أن الراجح دخول من يوجد بعد.
تنبيهات:
الأول: مسألة التنزيل وهي أن ينزل الإنسان أولاد ولده الميت منزلة أبيهم جارية مجرى الوصية وتقسم بين المنزلين للذكر مثل حظ الأثنين، كما أفتى به أبو عبد الله المنصوري والشيخ (ت) وغيرهما.
الثاني: اختلف في الغلة الحاصلة قبل الوضع والاستهلال هل هي لورثة الموصي لأن الموصى له لا يكمل إلا بعد استهلاله وتحقق الحياة فيه أو هي للموصى له أو لورثته إلى أن يستهل فتوقف إلى وضعه والمعتمد الأول قال ناظم العمل:
وغلة قبل وجود الموصى ** له لوارث أنل تخصيصا

الثالث: إذا تعلقت الوصية بمن يولد له مستقبلاً ومات قبل أن يولد له أو أيس من ولادته رجعت الوصية ميراثاً، وكذا إذا مات الموصى له قبل موت الموصي وهو معنى قوله: على ما يوجد في بعض النسخ.
وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ لِمَنْ يُوصَى لَهُ ** إلاَّ إذا الْمُوصِي يَمُوتُ قَبْلَهُ

وظاهره أنه لا شيء له إذا مات قبل موت الموصي ولو كان قبلها وهو كذلك ثم أشار إلى الركن الثالث وهو الموصى به فقال:
وَهْيَ بِمَا يُمْلَكُ حتى الثَّمَرْ ** وَالدَّيْنِ وَالحَمْلِ وَإنْ لَم يَظْهَرْ

(وهي) تصح (بما يملك) أي بكل ما يصح ملكه وإن مجهولاً (حتى الثمر) الموجود في رؤوس الشجر أو قبل وجودها كغلة هذا العام (والدين) ولو على غائب أو معدم (والحمل) الظاهر في جاريته أو ناقته بل (وإن لم يظهر) كقوله: ما تلده أمتي أو ناقتي في هذه السنة أو إلى عشر سنين فهو لفلان وتصح أيضاً بآبق وبعير شارد ولا تصح بما لا يملك كخمر وخنزير.
تنبيهان:
الأول: قبول الوصية شرط في لزومها (خ): وقبول المعين شرط بعد الموت فالملك له بالموت وقوم بغلة حصلت بعده أي بعد الموت وقبل القبول ويكون له ما حمله الثلث من ذلك، فإذا أوصى له بحائط يساوي ألفاً وهي ثلث الميت وحصل فيه بعد الموت وقبل القبول غلة تساوي مائتين فإنه يكون له خمسة أسداس الحائط وثلث سدسه كما في طفي.
قلت: وهذا في الوصية، وأما ما بتله المريض من حبس أو صدقة أو نحوهما، فهو وإن كان يجري على حكم الوصية في كونه يصح في الثلث أو فيما حمل منه لكن الغلة إذا حدثت بعد التبتيل فإنها تكون للمعطى له حيث حمل الثلث قاله أبو الحسن في كتاب الحبس. قال: والفرق أن له الرجوع في الوصية ولا رجوع له في التبتيل قال: فلا يخلو إما أن يلفظ بلفظ البتل أو بلفظ الوصية أو بلفظ يصلح لهما، فإن لفظ بالبتل كان بتلاً، وبالوصية كان وصية، وبالمحتمل ينظر للقرائن فإن لم تكن قرينة فإن كان في الصحة حمل على البتل لأنه الغالب في الصحيح، وإن كان في المرض حمل على الوصية لأنه الغالب فيه. اهـ.
الثاني: إذا مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية كما مر، وإن مات بعده من قبل العلم بالوصية أو علم ولم يقبل كان ورثته مكانه قاله اللخمي ونحوه في المدونة. ابن رحال: وهذا هو الراجح وأن الوارث يتنزل منزلة الموصى له علم بذلك أم لا. قبل ذلك الموصى له قبل موته أم لا. فإذا قبل بعضهم ورد البعض الآخر فحظ من رد ولم يقبل يرجع ميراثاً، وإذا رد الموصى له الوصية في حياة الموصي فله قبولها بعد موته كما لابن الحاج عن مالك قائلاً: لأنه ردها في وقت لم تجب له لأنها إنما تجب بالموت.
وَامْتَنَعَتْ لِوَارِثٍ إلاّ مَتَى ** إنْفَاذُ باقي الْوَارِثِين ثَبتا

(وامتنعت لوارث) لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) (إلا متى إنفاذ باقي الوارثين ثبتا) أي إلا أن يجيزها بقية الورثة فهو ابتداء عطية منهم على المشهور فتفتقر للحوز بمعاينة البينة كسائر العطايا، وقد تقدم في الحبس أن الحوز أقوى في الدلالة على القبول فلا وجه لاعتراض الشيخ الرهوني على مصطفى بأن القبول العاري عن الحوز والقبض لا أثر له، فإن لم تحز حتى حصل المانع من استحداث دين ونحوه بطلت ولو كان قد قبلها لأن الدين الحادث للمجيز من موانع الحيازة. (خ): وبطلت إن تأخر لدين محيط، وقوله في التوضيح: إذا أجاز الوارث الوصية ولا دين عليه ولم يقبل ذلك الموصى له حتى استدان الوارث أو مات إلخ. صوابه ولم يقبض من القبض الذي هو الحوز كما في نقل (ح) والمتيطي وكما في مصطفى وشارح العمل، واعتراض الرهوني على مصطفى ساقط لا وجه له كما مر.
تنبيهان:
الأول: ظاهر النظم أن إجازة الوارث لازمة له ولو أجاز في مرض الموصي الذي مات منه وهو كذلك لكن بشروط أشار لها (خ) بقوله: ولزوم إجازة الوارث بمرض لم يصح بعده إلا لتبين عذر ككونه في نفقته إلخ.
الثاني: قال الباجي: تجوز الوصية لابن وارثه أو لأحد من قرابته ممن يظن أنه يردها للوارث. روى ذلك يحيى عن ابن القاسم وقاله مالك في المجموعة، ووجهه أنه وصية لغير وارث وما يظن به من صرف ذلك للوارث لا يمنع الوصية لأن مقتضى ملكه لمن أوصى له به أنه يعطيه لمن شاء، فإن قصد ذلك الموصي فهو آثم قال: ولا يمين على الموصى له أن الوصية على وجه التوليج لأنها يمين تهمة فيما لا يمكن الاحتراز منه ولا المنع ثم قال: وإذا صرفه الموصى له إلى الوارث جاز ذلك وكان للوارث أخذه أو تركه. اهـ. وما ذكره من عدم اليمين نحوه في ابن سلمون عن أصبغ، لكن قال ابن رشد: هو جار على الخلاف في يمين التهمة يعني: والمشهور توجيهها. قال: وإن قطع الوارث بأن ذلك كان توليجاً ووجه الدعوى بذلك فاليمين واجبة باتفاق. اهـ. ونقل (م) عن أوائل وصايا المعيار إنه إذا اتهم أن يكون اتفق مع الموصى له أن يردها على الوارث وأن ذلك تحيل على الوصية للوارث فإن الموصى له يحلف للتهمة المذكورة، فإن لم يحلف لم يعط الوصية. اهـ. فهو جار على توجه يمين التهمة. وفي المنتخب وصيته لأم ولده ومعها ولد جائزة ولا ترد الوصايا بالمظنة إذ الأمة غير وارثة، وفيه أن الزوجة لا توصي لأم ولد زوجها إلا باليسير قال: وأما لأقارب زوجها كأبويه وصديقه الملاطف وكل ما يخشى أن يكون أرادت أن يرد ذلك على زوجها فهو ماض، ولو كان الإيصاء بالمهر الذي على زوجها. اهـ. وهذا كله إذا لم يثبت أنه أراد صرفها لبعض الورثة. قال في المعيار عن ابن لب: إن قامت شهادة في العهد بالثلث أنه كان من المعاهد على وجه الصرف على بعض الورثة دون بعض فسد العهد وصار المعهود به ميراثاً، والشهادة تكون بالسماع أي الفاشي أو باشتراط من العاهد أو باعتراف المعهود له بذلك وإن لم تقم بينة بذلك حلف المعهود له أن العهد لم يكن من العاهد على وجه الصرف وكان له ملكاً. اهـ.
وَلِلَّذِي أَوْصَى ارْتجَاعُ ما يَرَى ** مِنْ غَيْرِ مَا بَتَّلَ أَوْ مَا دَبَّرَا

(وللذي أوصى) في صحة أو مرض بعتق أو غيره (ارتجاع ما يرى) من وصيته كلها أو بعضها أو تغيرها لأنها لا تلزم إلا بالموت كما مر (من غير ما بتل) في مرضه من صدقة وعتق وأحرى في صحته (أو ما دبرا) فيهما أيضاً فإنه لا رجوع فيما بتل أو دبر. قال في المعونة: الوصية في الصحة والمرض سواء لأنها تنفذ بعد الموت وليست بلازمة وله الرجوع فيها متى شاء إلا التدبير فلا رجوع فيه لأنه إيجاب في الحياة، وإن كان له حكم الوصية من بعض الوجوه وهو خروجه من الثلث، وكذلك العتق المبتل في المرض. اهـ. والصدقة ونحوها في المرض مثل العتق فيه فإنها تخرج من الثلث إن مات منه ولا رجوع له فيها. انظر ما تقدم في التدبير، وظاهر قوله: ارتجاع ما يرى إلخ. سواء كان الارتجاع في الصحة أو في المرض كان بالقول كرجعت عنها أو أبطلتها أو لا تنفذوها أو بالفعل كبيعها أو عتقها (خ): وبطلت برجوع فيها وإن بمرض بقول أو بيع أو عتق وكتابة وإيلاد إلخ.
تنبيه:
ظاهر النظم أن له أن يرجع وإن التزم فيها عدم الرجوع وهو أحد قولين، وذكر ابن ناجي في الرهون وكتاب التخيير والتمليك أن به العمل، وصرح بعضهم بمشهوريته والقول الآخر إنه لا رجوع له. قال ابن عرفة: إنه الأصح، وقال (ح) في التزاماته: أنه الراجح، وذكر القوري عن العبدوسي أن به العمل والقضاء وهو الأقوى من جهة النقل إذ به أفتى أكثر الشيوخ، وقد علمت أن عمل فاس لا يتبع عمل تونس، وإنما يتبع عمل الأندلس كما مر، وعليه فلا وجه لما ذكر ناظم عمل فاس من جريان العمل بالصلح فيها حيث قال:
والصلح في الوصية التي التزم ** أنه لا يرجع فيها قد حكم

وإن قال إنه قد حكم به سيدي علي بن هارون وسيدي عبد الواحد الونشريسي لأن العمل لا يثبت بحكم قاض أو قاضيين، وأيضاً فإن ذاك العمل لا يوافق قولاً من أقوال المسألة فلا ينبغي أن يلتفت إليه لأن العمل لابد أن يستند فيه إلى قول، وإنما ينبغي التعويل على قول الأكثر المعمول به في هذا القطر من لزوم عدم الرجوع ومحل الخلاف ما لم يقل في التزامه كلما رجعت عنها فرجوعي تأكيد لها. أو مهما وجد رسم برجوعي عنها فهو كذب فإن ذلك لازم له خارج عن محل الخلاف كما في أجوبة الفاسي.
وفي الذي عَلِمَ موصٍ تَجْعَلُ ** وَدَيْنِ مَنْ عنِ اليَمِينِ يَنْكُلُ

(و) الوصية (في الذي علم موص) به قبل موته (تجعل) ولو أفاده بعد الوصية ولو عمرى كان مرجعها إليه بعد انقضاء مدتها أو بعيراً شارداً أو آبقا رجعا بعد موته أو هبة أو صدقة لم تقع فيهما حيازة حتى مات على ما رجحه ابن منظور ولأن ذلك كله معلوم له لا فيما جهله قبل موته ولم يعلم به فإنها لا تكون فيه (خ): وهي ومدبر إن كان بمرض فيما علم إلخ. أي لا فيما أقر به في مرضه لمن يتهم عليه، وهو يظن أن إقراره عامل في ذلك أو أقرَّ به في صحته وكذبه المقر له ولم يعلم بتكذيبه حتى مات ولا فيما ورثه ولم يعلم به ولا فيما أوصى به لوارث ولم تجزه الورثة، وإنما تجعل فيما علمه قبل موته كما مر ونحوه (و) في (دين من عن اليمين ينكل) قال ابن سلمون: ولا تدخل الوصايا إلا فيما علمه الموصي دون ما لم يعلمه من إرث ونحوه، ثم قال: فإن أقر بدين لمن يجب إقراره له فنكل عن يمين القضاء فإن الوصية تدخل في ذلك. اهـ. وكذا إذا نكل عن يمين النصاب حيث لم يكن له إلا شاهد واحد فيجمع ذلك الدين لبقية ماله وتخرج الوصية من المجموع. قال ابن زرب: لو قال الورثة بعض المال لم يعلم به الموصي، وقال الموصى له: بل علمه فعلى الموصى له إثبات أنه علمه وإلاَّ فليس له إلا ما أقر الوارث بعلمه.
وَصُحِّحَتْ لِوَلَدِ الأوْلاَدِ ** والأَبُ لِلميراثِ بالمِرْصَادِ

(وصححت) الوصية (لولد الأولاد و) الحال أن (الأب) وهو أب الموصى له (للميراث بالمرصاد) خبر عن قوله الأب وللميراث يتعلق به أي يرصد ميراث أبيه الموصى ويرتقيه. قال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} (الفجر: 14) أي يرصد أعمال العباد لا يفوته منها شيء فيجازيهم عليها يقال: رصدته أي ارتقبته، وإنما صحت لولد الولد لأنه غير وارث، ولذا صار وارثاً كما لو مات أبوه قبل موت الموصي لم تصح (خ): والوارث يصير غير وارث وعكسه المعتبر مآله إلخ. وظاهر النظم كان الولد الموصي لولده موجوداً وقت الإيصاء أم لا. وهو كذلك كما تقدم عند قوله:
حتى لحمل واضح أو لم يضح ** لكنها تبطل إن لم يستهل

إلخ.
وهذا البيت ربما يستغنى عنه بذلك وبمفهوم قوله: وامتنعت لوارث ولعله إنما ذكره دفعاً لما يتوهم من أن الوصية لولد الولد وصية للولد، وأنها تبطل بالتهمة. وقد تقدم أنها لا تبطل، وتقدم أيضاً أن ما حصل من الغلة قبل وجود الأحفاد هو للورثة على المعمول به، وأنها إذا لم يكن فيها لفظ حبس فهي محمولة على التمليك وتقسم رقبتها على الأحفاد بالسوية بعد انقطاع ولادة الأب بيأس منها أو موته، وتقدم أيضاً أن من وجد من الأحفاد يختص بالغلة وتقسم بينه وبين من وجد معه بالسوية إلا أن ينص الموصي على التفضيل وينتقض القسم كلما وجد ولد أو مات إلى أن ينتهوا بموت الأب، أو اليأس من ولادته فيقسم الأصل على الموجودين من الأحفاد ولا يحيى الميت بالذكر، ومن مات منهم فيكون نصيبه لباقي الأحفاد فإن ماتوا كلهم قسم الأصل على ورثة من تقدم في الموت، ومن تأخر فيحيى الميت بالذكر ويكون نصيبه لورثته فإن قال: ثلث مالي لأولاد أولادي فلان وفلان وفلان فمات أحدهم بعد موت الموصي وقبل أن يولد به رجع حظه لأولاد أخويه ولا يرجع لورثة الموصي، وإذا عقبوا وولد لكل منهم فإنه يقسم الثلث على عدد من حضر من الأحفاد يوم القسم دون من مات قبله، وهذا إذا أجمل في الوصية، وأما إذا عين لأولاد كل قدراً من ذلك كما لو قال: ثلث مالي لأولاد زيد وأولاد عمرو وأولاد بكر لأولاد كل واحد ثلثه، فإن حظ من مات منهم قبل أن يولد له يكون للورثة وتبطل الوصية فيه ولا تدخل الوصايا فيما بطل من ذلك وتقسم الغلة أثلاثاً لأولاد كل فريق ثلثاً قلوا أو كثروا، ومحل بطلان حظ من مات إذا لم يقل من مات عن غير عقب يرجع نصيبه لأولاد أخويه فإن قال ذلك فلا تبطل ويرجع لأولادهما، وهل يقسم هذا الراجع على عدد الرؤوس أو لا يجري فيه ما تقدم في الحبس عند قوله: وكل ما يشترط المحبس إلخ.
فرع:
قال في المتيطية في باب الصدقة: من تصدق على ابنه الصغير وعلى من يولد للمتصدق جاز، فإن مات الابن المتصدق عليه في حياة أبيه وقفت الصدقة بيد الأب حتى ينظر أيولد له شيء أم لا. ولا يجوز له بيعها فإن مات الأب عن زوجة في حياة الابن فلا يجوز للابن أن يحدث فيها شيئاً إلا بعد أربع سنين أو خمس على الاختلاف في أقصى أو بالحمل، وذلك إذا لم تتزوج المرأة بعده فإن لم يترك الأب زوجة انطلقت يد الابن في الصدقة، وقد قيل أنه إذا تصدق على ابنه وعلى من يولد للأب من مجهول من يأتي فذلك حبس لاسيما إذا أدخل فيه أعقابهم. اهـ. وتقدم في الصدقة أن القول بأنها حبس هو قول مالك، وانظر التزامات (ح) في الكلام على الشروط في الهبة.
فرع:
لو قال الموصي الذي كتب وصيته بخطه: فليشهد على خطي من وقف عليه فإنها تنفذ ولو لم يشهد عليها قاله اللخمي. ونقله في المجالس ومثله لعياض قائلاً: وأما لو كتبها بخطه وقال: إذا مت فلينفذ ما كتب بخطي فإنها تنفذ إذا عرف أنه خطه. اهـ. فقوله: وقال إلخ. يعني كتب لذلك ليوافق كلام اللخمي لا أنه قال ذلك للناس لأنه في معنى الإشهاد عليها، ولا خلاف حينئذ في تنفيذها وهو معنى قول (خ): وإن ثبت أن عنده خطه أو قرأها ولم يشهد أو يقل أنفذوها لم تنفذ إلخ. فمفهومه أنه لو كتب بخطه أنفذوها فإنها تنفذ ونحوه قول صاحب العمل:
وكاتب بخطه لم يشهد ** عليه أو يقل تنفذ أردد

وَإنْ أبٌ مِنْ مالِهِ قَدْ أنْفَقَا ** عَلَى ابْنِهِ في حَجْرِهِ تَرَفَّقَا

(وإن أب من ماله قد أنفقا على ابنه) الصغير وله مال وقت الإنفاق حال كون الابن (في حجره ترفقا) أي على وجه الترفق فهو راجع لقوله في حجره لا للإنفاق لأنه لو أنفق عليه ترفقاً لم يكن له عليه رجوع..
فَجَائِزٌ رُجُوعُهُ في الحَالِ ** عَلَيْهِ مِنْ حِينِ اكْتِسَابِ المَالِ

(فجائز رجوعه في الحال) أي حال قيامه (عليه من حين اكتساب المال) بإرث أو هبة أو وصية، ومفهومه أن ما أنفقه عليه قبل كسبه المال لا رجوع له به عليه وهو كذلك لأن نفقته حينئذ واجبة على أبيه قال في المدونة: يلزم الأب نفقة أولاده الذكور حتى يحتلموا والإناث حتى يدخل بهن أزواجهن إلا أن يكون للصبي كسب أي عمل يد يستغني به أو مال ينفق عليه منه. اهـ. ومحل رجوع الأب على ولده إذا كانت عادة الآباء الرجوع بالنفقة على أولادهم كما تقدم عن السيوري في النفقة، وظاهره أنه لا يمين على الأب أنه أنفق ليرجع وهو كذلك كما قال (خ) في الفلس كاليمين المتوجهة على أحد أبويه فإنهما لا يحلفان وأما إذا مات الابن وطلب الأب النفقة فأراد ورثة الابن إحلافه فسيأتي آخر الباب، هذا حكم رجوع الأب بنفسه فإن مات الأب وأراد الورثة أن يحاسبوا الابن بما أنفقه عليه أبوه من وقت اكتسابه للمال فقال ابن رشد: لا يخلو مال الولد من أربعة أوجه. أحدها: أن يكون عيناً قائماً في يد الأب. والثاني: أن يكون عرضاً قائماً في يده أيضاً. والثالث: أن يكون الأب قد استهلك مال ابنه العين وحصل في ذمته. والرابع: أن يكون مال الابن لم يصل إلى يده. فأشار الناظم إلى الوجه الأول بقوله:
وَإنْ يَمُتْ وَالمالُ عَيْنٌ باقِي ** وَطَالَبَ الوَارِثُ بالإنْفَاقِ

(وإن يمت) الأب (و) الحال أن (المال) أي مال الابن (عين باقي) في تركة الأب معروف بالكتابة عليه أو الشهادة عليه أنه ماله (وطالب الوارث) الرجوع على الابن (بالانفاق) مصدر بمعنى المفعول أي بالمال المنفق عليه.
فمَا لَهم إليه مِن سَبِيلِ ** وَهُوَ لِلابْن دُونَ ما تَعْلِيل

(فما لهم) أي الورثة (إليه) أي الرجوع (من سبيل وهو) أي المال المنفق (للابن دون ما) زائدة (تعليل) لأن ترك الأب الإنفاق منه عليه مع تيسره دليل على تبرعه.
إلاَّ إذَا أوْصَى عَلَى الحِسَاب ** وَقَيَّدَ الإنْفَاقَ بالْكِتابِ

(إلا إذا أوصى) الأب (على الحساب و) كان قد (قيد الانفاق بالكتاب) بأن كتبها بخطه وأحرى إن أشهد عليه عدلين أنه يحاسب، فحينئذ يمكن الوارث من الرجوع في المال العين، ومفهومه أنه إذا أوصى ولم يكتبها أو كتبها ولم يوص لم يكن للوارث رجوع على الولد وهو كذلك كما صرح به ابن رشد، ووجهه في الأول أنها وصية لوارث، وفي الثاني أنه قد يكتبها متروياً كما يأتي عند قوله: وترك الكتب فلن يطالبوا. ثم أشار إلى الوجه الثاني وهو ما إذا كان مال الابن عرضاً فقال:
وإنْ يَكُنْ عَرْضاً وَكانَ عِنْدَهُ ** فَلَهُمْ الرَّجُوع فيهِ بَعْدَهُ

(وإن يكن عرضاً) كأثاث ولباس وفراش وأصول ورثها من أمه أو تصدق بها عليه (وكان) ذلك (عنده) أي عند الابن موجوداً بعينه في تركته (فلهما الرجوع) على الابن كتبها عليه الأب أم لا (فيه) أي في ذلك المال بعينه (بعده) أي بعد الأب فإن زاد الإنفاق على ذلك المال فلا تباعة على الابن بالزائد.
إلاّ إذَا ما قَال لا تُحَاسِبُوا ** وَتَرَكَ الكَتْبَ فَلَنْ يُطَالِبُوا

(إلا إذا ما) زائدة (قال لا تحاسبوا و) كان قد (ترك الكتب فلن يطالبوا) الابن بشيء، ومفهومه أنه إذا لم يقل لا تحاسبوا فإنه يحاسب ولو كتبها لأنه قد يكتبها متروياً غير عازم عليها، ومفهوم وترك الكتب أنه إذا كتب فإنه يحاسب وإن أوصى أن لا يحاسب لأنه لما كتب تقوى جانب عدم التبرع فكانت وصيته بعدم المحاسبة وصية لوارث.
وكالْعُرُوضِ الحَيوانُ مُطْلَقَا ** فيه الرُّجوعُ بالذي قدْ أَنْفَقَا

(وكالعروض الحيوان مطلقا) عاقلاً كان كالرقيق أو غير عاقل كالدواب والأنعام (فيه الرجوع) للوارث على الابن (بالذي قد أنفقا) عليه أبوه إلا أن يقول: لا تحاسبوه ويترك الكتب كما مر في العرض. ثم أشار للوجه الثالث، وهو ما إذا كان الأب قد استهلك مال الابن العين فقال:
وَإنْ يَكُنْ عَيْناً وَرَسْماً أصْدَرَا ** بأنَّهُ ذمَّتَهُ قدْ عَمَّرَا

(وإن يكن عيناً) سواء كان عيناً بالأصالة أو كان عرضاً واستهلكه الأب وترتبت قيمته في ذمته أو باعه واستهلك ثمنه (ورسماً أصدرا) أي أشهد الأب عدلين في رسم (بأنه) أي المال العين أدخله في (ذمته) وأنه (قد عمرا) ذمته به.
فَمَا تَحَاسُبٌ لِمُسْتَحِقِّ ** وَهُو كالحَاضِرِ دونَ فَرْقِ

(فما تحاسب لمستحق وهو) أي المال المشهود به في الذمة (كالحاضر) عيناً (دون فرق) بين هذا الوجه والوجه الأول فكما لا يحاسب في الوجه الأول إلا إذا أوصى وقيد بالكتاب فكذلك الحكم هاهنا. وقد سئل ابن رشد عن وصي أشهد عند موته أن ليتيمة عنده عشرين ديناراً، فلما طالبت بها قال لها الورثة: إنه كان ينفق عليك وأثبتوا ذلك فقال إشهاد الوصي لها عند موته بالعشرين ديناراً يوجبها لها وتبطل حينئذ دعوى الورثة عليها ولا يحاسبونها بشيء. اهـ. وأشار لمفهوم قوله: ورسماً أصدرا والموضوع بحاله فقال:
وَإنْ يَكُنْ في مالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ ** مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ بِذَاكَ أَعْمَلَهْ

(وإن يكن) المال العين (في ماله قد أدخله) بأن لم يوجد بعينه في تركة الأب ولا أشهد بأنه أدخله في ذمته كما قال: (من غير إشهاد بذاك أعمله.
مَعْ عِلْمِ أَصْلهِ فَهَاهُنَا يَجِبْ ** رَجُوعُ وَارِثٍ بِإنْفَاقٍ طُلِبْ

(مع علم أصله) أي علم أصل مال الابن ببينة شهدت أنه كان ورث من أمه مائة مثلاً أو تصدق عليه بها ولم توجد بعينها في تركة الأب، ولا أشهد أنه أدخلها في ذمته فالفرق بين هذا الوجه والذي قبله يليه هو الإشهاد وعدمه والمال عين على كل حال (فهاهنا) أي في عدم الإشهاد (يجب رجوع وارث بإنفاق طلب) صفة لإنفاق أي طلب من الابن، ولو قدم الناظم قوله: وإن يكن عيناً ورسماً أصدرا إلى قوله: طلب. إثر قوله: وقيد الإنفاق بالكتاب، لكان أحسن لأن المال العين فيه ثلاثة أقسام: إما أن يوجد في التركة بعينه فلا حساب إلا إذا أوصى وقيد في الكتاب، وإما أن لا يوجد في التركة فإن أشهد أنه في ذمته فلا حساب أيضاً كالأول، وإن لم يشهد حوسب.
تنبيه:
لم يذكر الناظم حكم ما إذا لم يوجد العرض في تركة الأب ولم يشهد بعمارة ذمته بثمنه، والحكم أن الابن يحاسب بالنفقة بالأحرى مما إذا وجد قاله (م): ثم أشار إلى الوجه الرابع وهو ما إذا لم يدخل مال الابن بيد الأب فقال:
وَغَيْرُ مَقْبُوضٍ عَلَى الإطْلاَقِ ** كالْعَرْضِ في الرُّجُوعِ باتِّفَاقِ

(وغير مقبوض) من مال الابن (على الإطلاق) عيناً كان أو عرضاً (كالعرض في الرجوع) إلا أن يقول: لا تحاسبوا وترك الكتب فلا رجوع (باتفاق). ثم أشار إلى حكم موت الابن قبل الأب وطلب الأب محاسبته فقال:
وَمَوْتُ الابْنِ حُكْمُهُ كَمَوْتِ الأَبِ ** وَقيلَ في يُسْرِ أبٍ حَلْفٌ وَجَبْ

(وموت الابن) في حياة أبيه إذا أراد الرجوع عليه (حكمه كموت الأب) في جميع التفصيل المتقدم من كون المال عيناً أو عرضاً إلخ. ولا يمين على الأب إذا أراد الورثة إحلافه أنه أنفق ليرجع لأنهم قائمون مقام الابن ولا يرثون عنه إلا ما كان له وليس للابن أن يحلف أباه. (وقيل) وهو لمالك في سماع ابن القاسم يفرق ففي عدم الأب وأمانته لا يمين عليه و(في يسر أب) وعدم أمانته (حلف وجب) عليه، قال في المقرب: سئل مالك عن الرجل يموت ولده وقد كان للولد مال فتقوم جدته أو أمه تطلب ميراثها فيقول الأب: قد أنفقته عليه أترى عليه يميناً؟ فقال: إن كان رجلاً مقلاً مأموناً فلا أرى ذلك عليه، وإن كان موسراً غير مأمون أرى أن يحلف لأن جل الأباء ينفقون على أبنائهم وإن كان لهم مال. اهـ. وقوله: لأن جل الآباء إلخ. يقتضي أن الغالب هو إنفاقهم بعدم قصد الرجوع، ولذ قال السيوري كما مر في النفقات ينظر للعادة.
فرع:
سئل ابن لب عن الذي يلتزم لزوجته النفقة على أولادها على أن يستغل ما يكون لأولادها من المال مدة الزوجية؟ فقال: الأصل في المنع لوجوه لا تخفى إلا أن المتأخرين من الموثقين جرت عادتهم بالتخفيف في ذلك إذا كان فائد المال المستغل يسيراً بحيث أن الغرض المقصود إنما هو التبرع بالنفقة، ويكون فائد المال لا يبلغ إلا بعض النفقة.